قراءة تقرير دائرة الاحصاءات العامة الأخير عن وضع العمالة والبطالة في المملكة يسلط الضوء على حالة «الاحباط الاقتصادي» التي تواجه الأسر والأفراد في الاقتصاد الاردني.
التقرير صنف نحو 50 الى 80 ألف أردني ضمن قائمة «المحبطين»، ممن يئسوا من البحث عن العمل، لتتم اضافتهم الى معدلات البطالة المعلنة، وترتفع بالتالي النسبة الأخيرة بنحو 3 %، لتصبح 15.6 % بدلا من 12.6 %. هؤلاء «المحبطون» حسب تقديرات دائرة الاحصاءات العامة، لم تكن نسبة البطالة الرسمية تحتسبهم سابقا، لانهم لا يقومون بالبحث عن العمل، بيد أن المنطق الاقتصادي البسيط دفع «الاحصاءات» الى اضافتهم لصفوف العاطلين من العمل البالغ تعدادهم 180 ألف أردني خلال عام 2013.
أما الأسباب التي دفعت الباحثين عن العمل الى الاحباط فهي أيضا محبطة، اذ اظهرت استبانات «الاحصاءات» أنها بدأت تتحول من «عدم وجود عمل مناسب» و «عدم الدراية في آلية البحث عن فرصة» الى «عدم الاعتقاد بوجود عمل»، وهو ما يؤكد أن الأمر يتجاوز قضية ثقافة العيب، ويتركز حول الوضع الاقتصادي المتراجع في المملكة.
في تقريرها، اعتبرت دائرة الاحصاءات العامة أن «المحبطين» يشكلون 2 % من الاردنيين غير النشيطين اقتصاديا، وهي نسبة مشكوك في أسس احتسابها، خصوصا اذا علمنا أن غير العاملين ضمن سن العمل في الاردن يشكلون 40 % من الاردنيين القادرين على العمل.
وحتى لو تم الاعتراف بأن 2 % من غير العاملين هم فقط المحبطون والباقي يحبون الجلوس في المنزل، فان بيانات دائرة الاحصاءات العامة تدفع الى البحث عن «المحبطين اقتصاديا» ممن هم عاملون حاليا أو ممن يصطلح عليهم علميا بـ «الناشطين اقتصاديا».
يظهر تقرير دائرة الاحصاءات العامة، أن 90 % من العاملين في الاردن يتقاضون أجورا شهرية يقل عن 500 دينار، وأن 40 % من العاملين يتقاضون أجورا شهرية تنخفض عن مستوى الـ 300 دينار.
كما يظهر التقرير ذاته بأن نسبة أصحاب العمل، والعاملين لحسابهم وحساب مشروعهم الشخصي، في تراجع عامًا بعد آخر، نتيجة تراجع الوضع الاقتصادي وغياب التمويل والحوافز المطلوبة للاعمال الريادية.
ألا تشكل الاحصاءات السابقة أساسا للاستنتاج بأن «المحبطين اقتصاديا» على المستوى المحلي يتجاوزون في تعدادهم من يئسوا من البحث عن عمل؟ وهل يستطيع الموظف بمرتب شهري يقل عن 500 دينار أو حتى 1000 دينار العيش بعيدا عن الاحباط الناتج عن «شد الحزام» والتقشف وغياب الخدمات ضمن مستوى الجودة المطلوبة، والخوف من انقطاع معونة الأهل، أو خوض مغامرة الزواج، بالاضافة الى حالة اللايقين التي يعيشها الاقتصاد الاردني مؤخرا؟
بافتراض أن العاطلين من العمل محبطون (180 ألف مواطن)، وأن اليائسين من البحث عن عمل كذلك أيضا (80 ألف مواطن)، وأن من أجورهم تقل في الشهر عن 500 دينار هم محبطون أيضا (1.1 مليون مواطن)، نصل الى أن تعداد من هم داخل نطاق الاحباط الاقتصادي يتجاوزون الـ 1.3 مليون أردني، وهو رقم مساو تقريبا لتعداد القوة العاملة في المملكة. من الجهة المقابلة، تظهر بيانات البنك المركزي أن النمو في قروض الأفراد هو الأسرع بين مخــــــتلف أنواع التـــــسهيلات الائتـــمانية، وأن قيـــــمة هذه القروض بدأت بتخطي 50 % من ثروات المقترضين.
كما تظهر معدلات العنوسة والطلاق والجريمة، وغيرها من الظواهر الاجتماعية الضارة حقيقة ما يعانيه الاردنيون من احباط اقتصادي بدأ يؤثر في معظم جوانبهم الحياتية والاجتماعية.
استعراض الاحصاءات السابقة لا يهدف الى بث التشاؤم بقدر ما يسعى الى حث السلطتين التشريعية والتنفيذية الى تبن حقيقي لمبدأ الضريبة التصاعدية، والابتعاد عن مزيد من ضرائب المبــــيعات، والبحث جديا في الحلول الممكنة بعيدا عن جيوب 90 % من العاملين في الممـــلكة.
التجول في شوارع عمان المشبعة بالتوتر والعصبية، وزيارة المحافظات البعيدة، يتطابق مع ما جاء ضمن هذا التحليل من أرقام ومعطيات.
Comments (0)