Share :
حقق قطاع التعدين نموا استثنائيا خلال عام 2014، و صولا الى مستوى 44 % في الربع الثالث من العام، مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2013. فلولا هذا النمو في قطاع التعدين، لكان معدل النمو الاقتصادي للمملكة 2.7 % بدلا من 3.1 % للربع الثالث من العام المنقضي 2014. النتائج السابقة دفعت كاتب هذا التحليل للعودة الى البيانات المالية لأكبر شركات قطاع التعدين: شركة مناجم الفوسفات، وشركة البوتاس العربية، وذلك بحثا عن انعكاسات النمو الاستثنائي لقطاع التعدين على أرض الواقع. النتيجة جاءت بأن نمو الـ 44 % في قطاع التعدين قد نتج عنه ارتفاع في أرباح شركتي الفوسفات والبوتاس بـ 10 ملايين دينار فقط، للفترة المقارنة ذاتها ! تخيلوا بأن نمو قطاع اقتصادي رئيس بـ 44 % ينعكس على أرباح شركات القطاع بـ 10 ملايين دينار فقط، و بمعنى أن حجم القطاع يجب أن يتضاعف 3 أو 4 مرات، حتى يحقق المستثمرون فيه أرباحا اضافية بقيمة 50 مليون دينار ! تفسير المفارقة السابقة لا ينفصل عن تحليل التحديات الاستثنائية التي يواجهها قطاع التعدين في المملكة و المعوقات التي تقف في وجه تطور هذا القطاع وازدهاره و مدى اسهامه المتوقع في تحقيق الرفاه الاقتصادي على مستوى المملكة. أما التفسير الأول للظاهرة محط البحث فإن حجم الاستثمار في قطاع التعدين الأردني متواضع جدا من حيث المبدأ، حيث يشكل القطاع 1 % فقط من الناتج المحلي الإجمالي الأردني، برغم احتواء المملكة على احتياطات قياسية من المعادن مثل الفوسفات والبوتاس والنحاس واليورانيوم. النتيجة السابقة تعود الى معوقات الاستثمار في القطاع و ضعف البيئة الاستثمارية الجاذبة، وبعض الاتفاقيات الاحتكارية التي منحت الحصرية للتنقيب عن بعض المعادن. أما التفسير الثاني لانخفاض أرباح القطاع مقارنة بمعدلات النمو والانتاجية، فيتعلق بارتفاع الكلف التشغيلية لشركاته مقارنة بالشركات العالمية، ممثلة بتكاليف الطاقة والموارد البشرية. وعلى سبيل المثال، حققت شركة الفوسفات أرباحا تشغيلية بحوالي 21 مليون دينار خلال الربع الثالث من عام 2014، تم انفاق 6.5 مليون دينار منها على الاتفاقيات العمالية مع موظفي الشركة ! ارتفاع الكلف التشغيلية يعني أن المستقبل لن يحمل في ثناياه زيادة في الوظائف التي تخلقها شركات التعدين حتى لو تضاعف انتاجها و تضاعفت أرباحها، ذلك أن الكلف التشغيلية المرتفعة هي الوجه الآخر لانخفاض معدلات انتاجية الموارد البشرية. التفسير الثالث أن شركات التعدين الأردنية تحاول تحت وطأة المنافسة العالمية المحتدمة زيادة انتاجها وحصتها السوقية بغض النظر عن السعر والربح، أملا في عبور هذه المرحلة الحرجة من خلال تخفيض تكاليفها التشغيلية مستقبلا، أو عودة ارتفاع أسعار منتجات التعدين عالميا و في مقدتها البوتاس والفوسفات. لذلك ترى بعض الشركات المحلية تزيد في انتاجها بينما تبقى أرباحها ثابتة أو حتى تتراجع خلال فترة زيادة الانتاج. التحديات السابقة بحاجة الى حلول تقليدية وغير تقليدية منها مثلا فتح باب الاستثمار الخارجي في القطاع، وتوقف الحكومة عن التدخل في تفاصيل عمل الشركات، والمضي في الاتفاقيات الدولية والاقليمية الهادفة الى تخفيض كلف الطاقة، وعقد التحالفات الهادفة الى تسويق المنتج الأردنى لدى الدول الرئيسة المستوردة. طبعا لا يمكن أيضا تجاهل ما بذلته وتبذله حاليا شركات القطاع من جهود لتطوير انتاجها وتسويقه ضمن أعلى قيمة مضافة ممكنة، وقد أخبرنا زملاؤنا الذين اطلعوا على الانجازات في شرق آسيا الكثير عن حجم الاستثمارات و انعكاساتها المتوقعة على المديين المتوسط والطويل.
Comments (0)
Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked. *